من يموّل معاول الهدم في اليمن؟

في لحظة مصيرية تمر بها اليمن، حيث تتعالى أصوات المنكوبين، وتشتد معاناة المطحونين، وتُمعن عصابة الحوثي في العبث بالوطن وأمنه ومقدراته، يخرج علينا بين الحين والآخر طابور من الكيانات المجهولة، المجهرية في تمثيلها، والعملاقة في ضجيجها، تتكاثر كما تتكاثر الطفيليات في مستنقعات الفوضى، حاملة شعارات "المناطق"، و"الخصوصية"، و"الهوية المحلية"، لتزيد من تفتيت المفتت، وتزرع المزيد من بذور الانقسام والشقاق.

أي عبث هذا؟ ومن يقف خلف هذه المشاريع المسمومة؟ ومن يمدها بالمال، ويوفر لها المنصات، ويصنع لها الضجيج الإعلامي؟

اليمنيون البسطاء يعرفون الإجابة، حتى وإن لم تُقال صراحة. هناك من يتغذى على تمزيق الخارطة اليمنية، وهناك من يُدير ماكينة تقسيم اليمن كما تُدار مصانع الأسلحة، ببرودٍ ودم بارد، لتُصنع دويلات وهمية، تحت لافتات براقة، هدفها الظاهري "الخدمة والتنمية" وغايتها الحقيقية سلخ كل منطقة عن جلد الوطن، تمهيدًا لإقامة جمهوريات الطوائف والمذاهب والمناطق، وتسليمها لاحقًا إلى أسيادها الجدد.

ما معنى أن تتكاثر هذه الكيانات فجأة في ظل أشد لحظات الحرب، وأخطر منعطفات التفاوض؟

ما معنى أن تتحول "الهوية المحلية" إلى سلاح يستخدمه كل عابر طريق لتحقيق مآربه السياسية؟

ما معنى أن يُفتح السوق على مصراعيه لبيع الوطن بالمزاد، كل يعرض قطعة ويبحث عن مشترٍ خارجي؟

إن هذه الأجسام الهلامية ليست سوى أدوات لإطالة عمر الأزمة، ومراكمة عوامل الانفجار، وتكريس واقع مليشياوي جديد، يتنافس فيه "الزعماء" المحليون على نهب ما تبقى من جسد الوطن المريض، متجاهلين أن اليمن واحد، لا يُختزل في قبيلة ولا يُلخص في محافظة، ولا يُقسم إلى كانتونات تُدار بالولاء لهذا الممول أو ذاك.

من يقف خلفهم؟

من يدفع الفاتورة؟

من يوفر لهم الحماية والتسهيلات والسفر والفنادق الفخمة؟

من يسلحهم بالبيانات والخطابات ويرفع عنهم الحرج في كل منبر؟

لقد صار واضحًا أن مشروع تمزيق اليمن يُدار على عدة مستويات، وأن هذه الكيانات ليست سوى أدوات في معركة بالوكالة، لتقطيع ما تبقى من الأوصال، وتأخير أي مشروع وطني جامع يعيد الاعتبار للدولة، وينهي انقلاب العصابة الحوثية التي تتفرج بسعادة على هذا العبث، بل وتدعمه سرًا وعلنًا.

اليمنيون اليوم مدعوون لوقفة حاسمة، لرفض هذه المشاريع الصغيرة التي تستهدف الوطن الكبير، ولرفع الصوت عاليًا:

كفى تقسيمًا، كفى فوضى، كفى ارتزاقًا على حساب وحدة الوطن وكرامته.

لن يكون الحل بكيانات مناطقية، بل بدولة عادلة، تتسع لكل أبنائها، وتحمي حقوق الجميع، لا بمشاريع التقسيم الممولة، التي تعيد إنتاج الطغاة بثوب جديد.

سيكتب التاريخ أن من يعبث بوحدة اليمن اليوم، تحت أي شعار، إنما يخدم الحوثي أكثر مما يحاربه، ويخدم الأطماع الإقليمية أكثر مما يخدم اليمنيين.

هذا وطنٌ لا يُجزّأ.. ولن يُجزّأ.